الاثنين، فبراير 06، 2012

نبذة عن حياة شيخ الإسلام ابن تيمية

قالوها للشيخ إبن تيميه رحمه الله : زمانك بستان وعصرك أخضر وذكراك عصفور من القلب ينقرُ دخلت على تاريخنا ذات ليلة فرائحة التاريخ مسك وعنبــرُ لمست أمانينا فسالت جداولاً وأمطرتنا حباً وما زلت تمطـرُ أحبك لا تفسير عندي لصبوتي أفسر ماذا والهـوى لا يفسـرُ -------- أحد مآثره عليه رحمة الله : فقد جددّ عقيدة السلف، وأصلح جوانب الاعتقاد، وحارب البدع، والمخالفات وحمل راية الجهاد، وأسس مدرسة الدليل، ورد الناس للكتاب والسنة، فكان زمان ابن تيمية (زماناً سعيدا)ً و بهيجاً في الحياة الإسلامية بما حصل من خيرات عظيمة وفضائل كثيرة على هذه الأمة . وقفة عن الإبتهال أصبحت لذته في الابتهال والانقطاع لله عز وجل ذاكراً ومتأملاً ومتخشعاً ويقول هو( إنه ليقف خاطري في المسألة أو الشئ أو الحالة التي تشكل عليّ فأستغفر الله ألف مرة أو أكثر أو أقل حتى ينشرح الصدر وينجلي إشكال ما أشكل ) موقف آخر : لما أدخل السجن وسُجن في بعض المواقف الصارمة وبعض فتاويه التي رفض الرجوع عنها وقال : ما ينبغي كتمان العمل قال : ( ما يفعل أعدائي بي أنا جنتي وبستاني في صدري ، أين رحت فهي معي ، إن سجني خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة) ، فهو إذا سُجن يقول أنا أختلي بذكر الله، و أقرأ القرآن، ولذلك سوف يأتي معنا أنه في آخر سجنة له، وقد أحصيت أنها سبع سجنات مكث سنة وأحد عشر شهراً َوسببها الإفتاء في مسألة شد الرحل إلى زيارة قبور الصالحين بالمنع ، ختم القرآن في ذلك السجن أكثر من( ثمانين مرة) وكان يكتب العلم ويقرأ ويراجع ويحفظ وتأتيه المسائل وهو في السجن . فانظر ماذا يقول يقول ما يصنع أعدائي بي إنا جنتي وبستاني في صدري القرآن معه، يتلذذ بذكر الله عز وجل يخلو بربه متأملاً خاشعاً مقترباً من الله عز وجل ويقول ابن القيم كما في الوابل الصيب : ( وعلم الله ما رأيت أحداً أطيب عيشاً منه مع ماكان فيه من الحبس والتهديد والإرجاف، وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت بنا الظنون أتيناه في سجن القلعة فما هو إلا أن نراه، فتنشرح صدورنا، وتحصل السعادة فسبحان من أطلع بعض خلقه على جنته وأراهم من نسيم الجنة وهم لا يزالون في دار العمل والعبادة) ونقل عنه كلمته المشهورة ( إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة )، فقد كان ـ رحمه الله ـ كثير العبادة وكثير الابتهال وكثير الذكر لله عز وجل مع ما يمر عليه من أنكاد وشدائد . ======== وقفه اخرى : كان كثير الذكر لله فكان يذكر الله على كل حال في كل مكان يقول هو ( وأكون إذاك في السوق أو في المسجد أو الدروب أو المدرسة لا يمنعني من الذكر والاستغفار .إلى أن أنال مطلبي) وقفه أخرى : فامتزج حب العلم بدمه وعصبه، لذلك قالوا في ترجمته( أنه ما خالط الناس لا في بيع ولا شراء ولا معاملة ولا تجارة ولا مشاركة ولا مزارعة ولا عمارة ولا كان ناظراً لوقف أو مباشراً لمال ولا كان مدخراً ديناراً ولا درهماً ولا متاعاً ولا طعاماً وإنما كانت بضاعته مدة حياته وميراثه بعد وفاته العلم إقتداء بسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم) الذيَ قال " العلماء ورثة الأنبياء لأن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر " وذكر عنه الذهي (يقول ما رأيته إلا وفي يده كتاب) يعني يقرأ يقلب العلم يراجع يحرر المسائل كما ذكروا عن بعض أصحاب الهمم العالية والجادين ذكروا عن الجاحظ أنه ما رؤي إلا وفي يده كتاب يبحث ويقرأ، وذكروا عن جده مجد الدين ابن تيمية صاحب ( منتقى الأخبار) أنه كان إذا ذهب لقضاء الحاجة يأمر قارئاً ،يقرأ عليه شيئاً من العلم حتى لا يضيع الوقت . تلك العصا من هذه العصيةْ .. ما تلد الحية إلا الحيْة فبيته بيت علم ودين، فلا غَرو أن يكون مقبلاً على العلم بكليته، بل منذ صغره ولذلك أفتى دون العشرين وعقد مجالسه دون العشرين، ولهذا كان يطالع كثيراً . فالرجل أدرك( حلاوة العلم) كما قال أبو إسحاق الإلبيري واعظاً ابنه أبا بكر . أبا بكر دعوتك لـو أجبت إلى ما فيه حظك لو عقلت إلى علم تكون به إمامـــاً .. مطاعاً إن نهيت وإن أمرتَ ويجلو ما بعينك من غِشاهـا .. ويهديك الطريق إذا ضللــتَ هو العضب المهند ليس ينبو .. تصيب به َمقاتــل من أردتَ وكنز لا تخاف عليه لصــاً .. خفيف الحمل يوجد حيث كنت ثم يقول له : فلو قد ذقت من حلواه طعمـاً .. لآثرت التعلم واجتهـــدتَ ولم يشغلك عنه هوى مطـاعٌ ... ولا دنيا بزخرفهـا فتنــت ولا ألهاك عنه أنيــق روض .. ولا خدر بزينتهـــا كلفت فقـوت الروح أرواح المعانـي .. وليس بأن طعمت ولا شربتَ لكن نحن اليوم في زمننا ،أصبح قوت الروح شيئاً آخر، أما هو فإن قوت روحه هو الإقبال على العلم والقراءة، وهنا خبر عجيب ذكره ابن القيم تلميذه الذي تأثر به كثيراً، ولازمه كثيراً، ونقل كثيراً من فتاويه وبحوثه، كما قال الحافظ ابن حجر في ترجمته في ( الدرر الكامنة ) فإن ابن القيم له (الأثر الكبير) في نقل بحوث وفتاوى ابن تيمية، نقل ابن القيم عجباً في( روضة المحبين) وهو من الكتب السهلة الطريفة لابن القيم روضة المحبين مطبوع في مجلد لطيف ، يقول عن شيخه( أنه مرض مرة فجاءه الطبيب فقال له إن قراءتك للعلم وتدريسك تزيد المرض فننصحك بترك القراءة مدة حتى تبرأ فقال له شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ أحاكمك إلى مهنتك أليس الطبيعة طبيعة النفس إن فرحت وسرت انجلى ما بها من الغم والنكد قال نعم قال إن نفسي تسر بالعلم وينشرح صدري قال الطبيب متعجباً: هذا شئ خارج عن علاجنا) وبالفعل أنت إذا وجدت لذتك في شئ معين فإنك تأتيه ولو كنت سقيماً متعباً هزيلاً وذكروا عنه ـ رحمه الله ـ أنه كان سريع القراءة سريع الكتابة وأيضاً نقل ابن القيم في( الوابل الصيب) أنه كان يكتب في يوم، ما يكتبه شخص في جمعة يعني أسبوعاً كاملاً ، وهذه (العقيدة الحموية) التي أتعبت الناس وعكف الناس على شرحها ولا يقرؤها إلا طلبة العلم الجادون، قالوا كتبها في( قَعدة بين الظهر والعصر) كتبها في مجلس واحد بين الظهر والعصر وهذه العقيدة الوسطية كتبها بعد العصر في وقت وجيز . وهذا يدل على علو همته ـ رحمه الله ـ وصبره وتوفيق الله عز وجل له فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم . ومن شغفه بالعلم أنه كان يطالع في كل وقت، ولم يكتف بشئ ولهذا قرأ (العلوم النقلية والعقلية)، وقرأ في الحديث، وفي التفسير، وفي الفقه، وفي الأصول، وفي المنطق، وفي الفلسفة، ورد على أهل البدع ولهذا قرأ كتب الرافضة، ولما تطالع (منهاج السنة النبوية) يتكلم عن الرافضة ويكشف مذاهبهم وأباطيلهم ويثبت ما هم عليه من ضلال مبين كالخبير والبصير بهذه الكتب ،و قرأ كتب النصارى ويدل على هذا كتابه الفذ : ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) تكلم كلام الخبير الفاحص المدقق في هذه المذاهب وفي هذه النحل ، تكلم مع الفلاسفة وناظر بعضهم وأثبت حيرتهم وأبطل ما هم عليه من تقرير للإعتقاد بوسائل عقلية وألف كتاباً صخماً فذاً ليس له نظير في العالم وهو ( درء تعارض العقل والنقل ) ولهذا قال ابن القيم في الكافية الشافية : واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ما في الوجود له شبيه ثاني الوقفة الثالثة : الجامعية الفريدة : إن شغفه بالعلم جَّره ،لأن يقرأ كل شئ، كماِ أشرنا، قرأ في كل فن! يجلس معه الفقهاء من أهل المذاهب الأخرى فيستفيدون من علمه ومن فقهه بل يخطؤهم ، يناظر فقهاء المالكية وَهو حنبلي طبعاً تربيته حنبليةِ لكن بعد ذلك شق كل الآفاق، واتبع الدليل كما سيأتي معنا فهو وصف( بالجامعية الفريدة) وعرف بالاستبحار في سائر العلوم الشرعية ، حتى العلوم الدنيوية التي ليس لها فائدة تعلمها وقرأها من حبه للمعرفة ، ولهذا يقول ِقرْنه الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني ـ رحمه الله ـ( كان إذا سُئل عن فنٍّ من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن ، وحكم أن أحداً لا يعرفه مثله وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم ) ، ولما ذهب إلى مصر في بعض المرات، ورآه ابن دقيق العيد المحدث الفقيه المشهور الذي عده السيوطي مجدد القرن السابع في منظومته ( تحفة المهتدين بأخبار المجددين) قال فيها : والسابع الراقي إلى المراقي ابن دقيق العيد باتفاقِ لما رأى شيخ الإسلام ابن تيمية انذهل وتعجب وقال : ( رأيت رجلاً العلوم كلها بين يديه يأخذ ما يريد ويدع ما يريد ) ثم تكلم ورآه يناظر ويلقي دروساً في التفسير فازداد عجباً وذهولاً منه وقال : ( ما ظننت أن الله بقي يخلق مثلك) فقالوا لابن دقيق العيد ألا تتكلم معه أي تتحاور فقال : ( هو رجل حفظه يحب الكلام وأنا رجل أحب السكوت) ولم يتكلم معه وقال ابن سيد الناس اليعمري رحمه الله (ألفيته ممن أدرك من العلم حظاً وكاد يستوعب السنن والآثار حفظاً ، إن تكلم في التفسير فهو حامل رايته، إن أفتى في الفقه فهو مدرك غايته ، أو ذاكر الحديث فهو صاحب علمه وروايته أو حاضرفي الملل والنحل لم ير أوسع من نحلته في ذلك ولا أرفع من درايته وبرز في كل فن على أبناء جنسه ولم تر عين من رآه مثله ولا رأت عينه مثل نفسه) ، وقال الذهبـي ـ رحمه الله ـ ( كان يتوقد ذكاء ) وقال : ( لو حلفت بين الركن والمقام لحلفت إني ما رأيت بعيني مثله ولا والله ما رأى هو مثل نفسه في العلم)، ولقد برع في سائر العلوم النقلية والعقلية كما أسلفت ففي الحديث قالوا : كل حديث لا يحفظه ابن تيمية فهو حديث ضعيف ، وفي الفقه قرأ كتب المالكية والشافعية والحنفية أما الحنابلة فقد تربى على كتبهم وأحصاها ،وله شرح على عمدة الفقه طبع أجزاء منه ولهذا كان إذا ناظرهم يتكلم ويفيدهم في مذاهبهم ويقول فلان ذكر كذا وفلان ذكر كذا فيتعجبون من حفظه ومن سيلان ذهنه -رحمه الله -، أما في التوحيد والعقيدة فهو( منظر عقيدة السلف) المدرك لها الذاب عنها وقد درس الفلسفة والمنطق ليرد على أصحابها وقد أفحمهم وناظرهم وأعجزهم وألف كتابه ( درء تعارض العقل والنقل ) في أحد عشر مجلداً ويسأل بعض الأحيان عن أمور غريبة، قد تكون من فضول العلم، أو مسائل لا يلتفت إليها، فيفصلها تفصيلاً ويسأل في تاريخ ـ كما يقول النصارى ـ قبل الميلاد وأمور في الأحداث السابقة فهو محيط بها ومدرك لها ، إذا فتحت مجموع الفتاوى تجده يسوق لك في بعض القضايا البعيدة صفحات طويلة، ويستطرد كثيراً فتتعجب كيف أحصى هذه العلوم ولكنه فضل الله عز وجل وبعض الأحيان يُسأل بالشعر فيجيب شعراً ولهذا سأله بعض علماء أهل الذمة عن مسألة في القدر بثمانية أبيات نظم فأجاب بمائة وأربعة وثمانين بيتاً ويقول في مطلعها السائل : أيا علماء الدين ذمي دينكم تحير دلوه بأوضح حجة يسأل في مسألة في القدر، فأطرق قليلاً ثم أخذ القرطاس والقلم، وكتب فظنوا أنه يكتب نثراً فكتب مائة وأربعة وثمانين بيتاً : يقول : سؤالك يا هذا سؤال معاندِ تخاصم رب العرش باري البريةِ وفي مجموع الفتاوى في( قسم الفقه) في كتاب الحج والعمرة، سأله رجل مسألة في الحج : من حج الفريضة وأراد أن يحج مرة أخرى هل يحج أو يتصدق بهذا المال ؟ فكان رأيه أنه يحج ولا يتصدق خلاف (الفتوى المشهورة) لكن الشاهد أن السائل سأله شعراً، فأجاب شعراً، وهذا موجود في مجموع الفتاوى ومطلعها يقول السائل : ماذا يقول أهل العلـم في رجــل أتاه ذو العرش مالاً حج واعتمـرا فهزه الشوق نحو المصطفى طربـاً أترون الحج أفضل أم إيثاره الفقـرا أم حجه عن والديه فيه برهمـــا ماذا الذي يا سادتي ظهـــــرا؟ فافتوا محباً لكم فديتكمـــــوا وذكركم دأبه إن غاب أو حضــرا فأجاب رحمه الله : نقول فيه بأن الحـج أفضل مـن فعل التصدق والإيثــار للفقـــرا وحجه عن والديه فيــه برهمـا والأم أسبـق بالبـر الـذي حضـرا لكن إذا الفرد خص الأب كان إذا هو المقدم فيمـا يمنــع الضــررا كما إذا كان محتاجاً إلى صلــة وأمه قد كفاها من بـرى البشـَـرا هذا جوابك يا هذا موازنــــة وليس مفتيك معدوداً من الشــعرا فلله دره وسبحان من علمه وأعطاه !! وفي العربية تعلم علوم العربية كلها وينقد بعض القصائد حتى إنه نقد( نظم السلوك) لابن الفارض مما يدل على تمكنه في اللغة بكل علومها ، وقد أخذ العربية على ابن عبد القوي وطالع كتاب سيبويه طالعه وتأمله ونقحه، واستدرك عليه مواضع كثيرة ، والتقى بأبي حيان النحوي فانذهل أبو حيان من فقهه وعلمه وتمكنه حتى في علوم اللغة العربية فمدحه بقصيدة مشهورة يقول فيها : لما رأينا تقي الديــن لاح لنــا داع إلى الله فـرد ماله وزَرُ على محياه من سيما الألي صحبوا خير البرية نور دونه القمـرُ حبر تسربل منه دهره حبـــرا بحر تقاذف من أمواجه الدررُ قام ابن تيمية في نصر شــرعتنا مقام سيد تيم إذ عصت مضُر كنا نحدث عند حبر يجئ بهـــا أنت الإمام الذى قد كان يُنتظرُ وحقاً كان هو الإمام الذي ينتظر، ليعيد الأمة إلى منهج الكتاب والسنة، وقد فعل رحمه الله، ثم جرى بينهما حوار في بعض (مسائل النحو) فاختلفوا فقال أبو حيان : سيبويه يقول كذا وكذا وقال ابن تيمية: يفشر سيبويه ليس نبياً للنحو، فغضب عليه أبو حيان وسبّه، ووقع في عرضه، وسحب القصيدة من الديوان، وتبرأ منها وقال فيه كل آفة، وكل نقيصة في تفسيره البحر المحيط .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

أرشيف المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة