السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
البقيع الأول في مكة المكرمة أما البقيع الثاني فهو في مصر في محافظة المنيا مركز بني مزار
أهل الصعيد يعتبرونها أرضاً لا تأكل أجساد الموتي .. ومعجزة قبة الدكروري يعجز الكل عن تفسيرها !
هنا عاش الفراعنة واسسوا أعظم حضارات العالم ، ثم جاءاليونانيون والرومانيون ، ومرت عليها رحلة العائلة المقدسة وتشرفت بقدوم سيدنا عيسي عليه السلام وأمه العذراء مريم وفي صحبتهم يوسف النجار ، كما عاش فيها سيدنا يوسف عليه السلام وأخوته ، ولأنها أرض مبروكة كما جاء في القرآن.. زادت قدسيتها بعد فتح مصر عندما استشهد علي ارضها 5 آلاف من كرام الصحابة والتابعين ، من بينهم 70 صحابياً حاربوا مع النبي عليه الصلاة والسلام في موقعة بدر الكبري ، ولذلك أطلق عليها الكثيرون " بقيع مصر " نسبة إلي أرض البقيع بالمدينة تشبها بكثرة الصحابة المدفونين بها ، كلامنا عن قرية البهنسا التى تبعد عن القاهرة 200 كيلو متر وتقع بمركز بني مزار في محافظة المنيا.. والشرط الوحيد قبل دخول المكان هو أن " تخلع حذاءك " .. فأنت في أرض مباركة !.
ملحمة شعبية
يقول سلامة زهران، مدير تفتيش الآثار الإسلامية بالبهنسا : معركة فتح البهنسا جعلت منها ملحمة شعبيها ترويها الأجيال حتى اليوم .. وكانت البهنسا حامية عسكرية رومانية قبيل الفتح الإسلامى ، وعندما انتهى سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه من فتح القاهرة والوجه البحرى وأراد السير إلى بلاد الصعيد أرسل إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. فأشار إليه بفتح مدينتين هما إهناسيا والبهنسا بشمال صعيد مصر لأنهما كانتا تضمان أهم معاقل الرومان ، وأرسل سيدنا عمرو بن العاص جيشا من المسلمين لفتح البهنسا بقيادة قيس بن الحارث في عام 22 هجرياً ، وضم هذا الجيش مجموعة من الصحابة ممن حاربوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوات عديدة مثل عبدالله بن عمرو بن العاص أمير الجيوش علي مصر وأخيه محمد وخالد بن الوليد وابنه سليمان وقيس بن هبيرة المرادي والمقداد بن الأسود الكندي وميسرة بن مسروق العبسي والزبير بن العوام الأسدي وابنه عبدالله وأبان بن عثمان بن عفان ويحي بن الحسن البصري وأبو ذر الغفاري وابنه محمد ، وهذا الجيش عسكر فى قرية قبل البهنسا سميت بعد ذلك بقرية " القيس" نسبة لقائد الجيش ، ثم تبع قيس بن الحارث سيدنا عبد الله بن الزبير بن العوام وعبد الله بن الجموح وزياد بن أبى سفيان رضي الله عنهم ، وكانت معركة الفتح شديدة القسوة على جيوش المسلمين وسقط منهم شهداء كثيرون .. واستمرت جهود الفتح مابين 4 إلى 6 أشهر متواصلة، وكان الرومان فى ذلك الوقت يتحصنون خلف أبراج المدنية العالية وحصونها القوية وأبوابها الأربعة "قندس" شمالا و "توما" جنوبا و"الجبل" غربا وباب "البحر" على بحر يوسف، وعندما تمكن جيش المسلمين من فتح البهنسا استقرت القبائل العربية بالمدينة مثل قبيلة بنت غفار وبنى العوام وقبائل تنتسب لسيدنا أبى بكر الصديق إلى أن جاء العصر الفاطمى فأصبحت البهنسا من أهم مدن مصر وازدادت رقعتها ومساحتها حيث كانت بمثابة ولاية كبيرة ثم تضاءلت أهميتها فى العصرين المملوكى والعثمانى .
5 آلاف شهيد
كل مكان في البهنسا ارتوي بدماء شهداء المسلمين من الصحابة والتابعين ، وبها عدد كبير من المقامات للشهداء مثل محمد بن ابي ذر الغفاري وعبدالرحمن بن أبي بكر ومجموعة من أبناء عمومة رسول الله مثل الفضل بن العباس وأبناء عقيل وجعفر بن أبي طالب وعبدالله بن عمر بن الخطاب وابان حفيد عثمان بن عفان والصحابية الجليلة الفارسة الشجاعة التي كان لها صولات وجولات في معركة أجنادين خولة بنت الأزور التي نزلت فيها سورة المجادلة بالقرآن الكريم ومقام وخلوة أبي سمرة حفيد الحسين بن علي بن أبي طالب والذي يعتقد الناس عن خلوته أن من بات فيها وكان مريضا شفي بإذن الله ، .ومدفون بها 70 صحابياً ممن شهدوا غزوة بدر ويطلق عليهم في التاريخ " البدريون ".. إلي جانب مشهد الحسن بن صالح المنتهي نسبه الي الحسين بن علي بن أبي طالب والذي بني بها مسجدا كبيرا، وقال السلف الصالح في فضلها ممن زاروا البهنسا أن من أتاها خاض في الرحمة حتي يعود ، ومن زارها خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وأنه لا يزورها مهموم إلا وفرج الله همه، ولا مغموم إلا أذهب الله غمه، ولا صاحب حاجة إلا قضيت بإذن الله عز وجل، وزارها جماعة من العراق مثل بشر الحافي وسري السقطي ومالك بن دينار وسحنون، وزارها من أقصي المغرب أبو مدين وشعيب وأبو الحجاج، وأبو عبدالله وزارها الفضيل بن عياض، وروي أن إقليم البهنسا كثير البركة .
مدينة الشهداء
تتمتع المدينة بقدسية شديدة لأن ثراها المبارك يحتضن الشهداء من آل البيت الأطهار ومن امراء الصحابة وفرسان العرب، وهذه القدسية التى تتمتع بها البهنسا جعلت لها مكانة خاصة فى قلوب العلماء .. لدرجة ان الشيخ عبد الحليم محمود عندما نزل البهنسا خلع حذاءه وقال وقتها "كيف لا أخلع نعلى على أرض قد وطأتها أقدام ودماء الصحابة والشهداء" ، أيضا ذكر على باشا مبارك فى الخطط التوفيقية أن مساحة البهنسا كانت تفوق الألف فدان وكانت تتميز بالبساتين وبها ورش لصناعة النسيج فى العصر الإسلامى ، وكانت كسوة الكعبة تذهب من البهنسا فى العصر الفاطمى ، وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول : إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " ليس بعد مكة والمدينة والأرض المقدسة والطور أرض مباركة إلا أرض مصر والبركة هي في الجانب الغربي " قال: ولعلها البهنسا ، وكان علي بن الحسن يقول: إنه ليس بأرض مصر بالوجه القبلي أرض مباركة ولا أكثر بركة من أرض البهنسا، وكان أبو علي النوري إذا أتي أرض البهنسا وأتي الجبانة ينزع ثيابه ويتمرغ في الرمل ويقول: يا لك من بقعة طالما ثار غبارك في سبيل الله، وكان أبو علي الدقاق إذا مر بجبانة البهنسا يقول: يا لك من بقعة ضمت أعضاء رجال وأي رجال .. طالما عرقت وجوههم في سبيل الله وقتلوا في سبيل الله ومرضاته ، وسألوا الحسن بن صالح حفيد رسول الله: لم اخترت هذه البلدة علي غيرها. قال: كيف لا آوي إلي بلد أوي إليها روح الله وكلمته وينزل علي جبانتها كل يوم ألف رحمة ، ولما ولي عبد الله بن طاهر مصر تجهز وأتي إلي البهنسا، فلما قرب من الجبانة ترجل عن جواده وترجل من معه، وكان الوالي عليها عبدالله بن الحسن الجعفري فخرج ماشياً وسلم عليه، ولما وصل إلي الجبانة قال: السلام عليكم يا أحياء الدارين وخير الفريقين، ثم التفت إلي أصحابه وقال: إن هذه الجبانة ينزل عليها كل يوم مئات الرحمات وأنها تزف بأهلها إلي الجنة، ومن زارها تتساقط عنه ذنوبه كما يتساقط الورق من علي الشجر في يوم ريح عاصف، فكان عبدالله بعد ذلك كل يوم يخرج حافياً فيزورها حتي مات ودفن فيها .
بحر يوسف العظيم !
ترعة بحر يوسف تنسب إلى سيدنا يوسف عليه السلام ، وهي تصل محافظة الفيوم بالماء من نهر النيل ، و تنبع من النيل عند ديروط بمحافظة أسيوط ماراً بمحافظة المنيا و محافظة بني سويف ثم إلى الفيوم ، وتروي كتب التاريخ أن " بحر يوسف " له عجائب كثيرة ، فهو غزير البركة لأنه يفيض حتى يروي ما حوله من القرى والبلدان حتى إذا لم تكن هناك زيادة في مياه النيل ، وإذا انقطع عنه مدد النيل تفجرت من أصله عيون فصارت نهراً جارياً .. وهذا لا يوجد بغيره أبداً من الأنهار في العالم ، ويقال أنه دفن فيه يوسف الصديق عليه السلام وظل جثمانه هناك حتى جاء سيدنا موسى عليه السلام ، كما يروي البعض أن سيدنا جبريل عليه السلام شق هذا البحر بخافقة من جناحه بأمر الله عز وجل لسيدنا يوسف عليه السلام ، فحسبما تقول كتب الرواة فأنه كان بين سيدنا يوسف عليه السلام وبين عزيز مصر خلاف بعد نهاية السنوات السبع العجاف ، ولما اجتمعت بنو إسرائيل عند سيدنا يوسف عليه السلام وحسدهم الهكسوس على ذلك قال ملك مصر: يا يوسف رد علي ملكي ، فاجتمع رأيهم على الفرقة والقسمة ، فقسمت الأرض –أي أرض مصر- فوقع الجانب الغربي ليوسف عليه السلام، وكان قفراً رمالاً وتلالاً، فأراد أن يجري له نهرا من النيل، فجمع له مائة ألف عبد ودفع لهم الكثير وأمرهم بأن يحفروا من الجهة القبلية .. فحفروا 3 سنين ، فكان كلما جاء الليل ينسد ما حفروه ، ففعل من الجهة الشرقية واستمر الحال ، فأوحى الله إليه " يا يوسف قد استعنت برجالك ومالك، ولم يستعن بي ، وعزتي وجلالي لو استعنت بي لحفرته لك في أقل من طرفة عين " فخر ساجداً لله تعالى وهو يقول: سبحانك ما أعظم شأنك وأعز سلطانك، ثم قام من سجوده ونزع أثوابه واغتسل ولبس المسوح وخرج إلي الربوة وخر ساجداً متضرعاً إلى الله تعالى ، فأوحى الله إليه أن أرفع رأسك فقد قضيت حاجتك، ثم أمر الله سبحانه وتعالى جبريل عليه السلام فخرقه بخاطفه من جناحه، وقال بعضهم بطرفة ريشة من جناحه من فمه من الجهة القبلية إلى آخر الفيوم في أقل من طرفة عين بقدرة الله تعالى .
رحلة العائلة المقدسة !
قال الله تعالى في سورة المؤمنون " وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين " صدق الله العظيم ، وأجمع كثير من المفسرين أنها البهنسا ومنهم المسعودي وأبو جعفر الطبراني والواقدي وابن إسحاق وابن هشام وأصحاب السير وأهل التفسير مثل سعيد بن جبير وسعيد ابن المسيب وابن عباس ، وتوجد بالقرية مزار شجرة مريم عليها السلام ، وهى شجرة استظلت بظلها السيدة مريم فى أثناء رحلة العائلة المقدسة، ذكر الواقدي في كتاب فتوح الشام أن المسلمين حينما دخلوا البهنسا وكانت الشجرة والبئر علي حالهما حافظ عليهما المسلمون وشربوا من البئر تبركا به فهو بئر كان يشرب منه نبي الله المسيح عيسي بن مريم واستظلوا بالشجرة كذلك وحافظوا عليها وراعوها وراعوا البئر وقيل إنهم عمقوه وحافظوا علي آثار العائلة المقدسة بالبهنسا .
مسجد الحسن الصالح
فى قلب البهنسا فى أوقات الصلاة يتزاحم المصلون على أبواب مسجد الحسن الصالح بن على بن زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنه، حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. هذا المسجد العامر يعد من أقدم المساجد التى أنشأت فى مصر، عندما تدخل المسجد تشعر ان عجلة الزمن دارت للوراء لأكثر من ألف عام، حيث العمارة الإسلامية القديمة والأعمدة المثيرة للدهشة والتى تضم زخارف وتيجان فى غاية الروعة، هذا المسجد ترجع نشأته للعصر العباسى وتحديدا عام 323 هجرية وتم تجديده فى العصر الفاطمى، بعض الروايات الغربية تؤكد أن هذا المسجد بنى على أنقاض كنيسة قديمة تدل على ذلك الأعمدة التى يقام عليها المسجد .. لكن سلامة زهران ينفى هذه الرواية ويؤكد ان دراسات وأبحاث عديدة نفت صدق هذه الرواية كما أن الأقباط كانوا من اوائل الناس الذين دعموا الفتح الإسلامى ليتخلصوا من الإضطهاد الرومانى ، وبخلاف أضرحة أمراء الصحابة والتابعين .. توجد مأذنة مملوكية وموقعان لحفائر إسلامية وتلال أثرية .
بانوراما قبة التكروري
ظاهرة فريدة ليس لها تفسير حتي الآن في مقام سيدي التكروري ، وتحديدا علي جدران قبته من الداخل وهو أحد أمراء المغاربة الذين جاءوا ليعيشوا في أرض البهنسا بين الصحابة والتابعين ، وتوفي بها وملقب بالتكروري وهو لقب يطلقه العرب علي كل من يأتي اليهم من بلاد المغرب ، ويؤكد الأهالي أن كرامات الشيخ التكروري إعجازية .. فهم يتجمعون بين التهليل والتكبير للرجال والتصفيق والزغاريد للنساء ، وحسب كلامهم فإنه تظهر " خيالات " علي جدران القبة تتحرك في عدة أشكال ، فهي مرة في زي محارب يمتطي جواده ويشهر سيفه ويتحرك علي جدران القبة يمينا ويسارا ثم يختفي.. وما أن يعاود الجمع التهليل والتكبير والتصفيق حتي يظهر مرة أخري وكأن مجموعة من المحاربين تجري في أرض المعركة ومرة ثالثة تظهر في شكل بانورامي للقاء جموع من المحاربين أو طيف حركة سريعة من اليمين الي اليسار ، ولا يوجد أحد بالمنيا كلها لا يعرف سيدي التكروري .. حتي أن زيارته تعد من طقوس الأهالي هناك قبل الحج الي بيت الله الحرام.
حكاية السبع بنات !
على أطراف البهنسا تقع مجموعة أضرحة السبع بنات ، وهى تلك الأضرحة التى تدور حولها أساطير وملاحم شعبية وتراث تتذكره الأجيال .. هذا المكان يتحول إلى ما يشبه العيد القومى للبهنسا صبيحة كل يوم جمعة ، حيث شهد توافد اعداد غفيرة من أهالى القرية والبلاد المجاورة للزيارة والتبرك، فى هذا المكان يتوجد 7 أضرحة متفرقة ولا يعلم أحد من رفات من التى تسكن هذه الأضرحة، لكنه اشتهر بالسبع بنات فقط ، وهناك روايات تؤكد إنهم سبع بنات قبطيات كن يمددن جيش المسلمين أثناء حصاره للمدينة بالمؤن والطعام فأدركهم جيش الرومان وطاردهم وأخذ يقتل فيهن وهن يركضن فكان كلما أدركوا واحدة منهن قتلوها حتي قتلوهن جميعا وأثناء المطاردة كانت دماء السبع بنات تنزف فاحمرت الأرض واخضبت بدمائهن ، وأصبح الناس يتبركون بهذه الأرض ويقتنون أحجار الشهيدات في منازلهن حتي اختفت الأحجار ذات الدماء من المنطقة ولم يتبق إلا تراب الأرض بلونه الداكن ، وانتشرت بين الناس أن المرأة العاقر إذا تمرغت في تراب السبع بنات أنجبت وأن المريض بشيء في ظهره إذا تمرغ فيها زال عنه ألمه وكذلك أصحاب الأمراض الأخري وقد اشتهرت المنطقة بهذه العادة ، وعند هذه الأضرحة يوجد مصلى صغير وبئر عميق لم تجف مياهه بعد.. ومن المعتقدات السائدة أيضا بالبهنسا أن المرور من فوق هذا البئر أو الشرب منه يحقق الأمنيات ، وهذه المعلومات يؤكدها سلامة زهران مضيفا أن مكتب تفتيش الآثار يحاول ان ينشر الوعى لدى عامة الناس التى تفد إلى مزار السبع بنات ، ولأن أرض الضريح مائلة فهناك من يعتقد انه عندما "يتدحرج" عند المقام تحدث له البركة ، وهذه الأساطير لا أحد يستطيع ان يمنعها ولكن المسألة تتطلب نشر الوعى قدر المستطاع .
أرض لا تأكل أجساد الموتي!
المكان الوحيد الذى حظى باهتمام هيئة الآثار وتم تحديده وإقامة حرم حوله هو مقام سيدى على الجمام قاضى قضاة البهنسا .. لكن حوله توجد آلاف المقابر التى تتزاحم بجوار بعضها ، ولذلك يصفها البعض بالبقيع الثانية .. فى هذا المكان يوجد ضريح سيدنا الحسن الصالح وعبيد بن عبادة ابن الصامت والأمير زياد وأضرحة عديدة تخص الصحابة البدريين ممن شاركوا الرسول عليه الصلاة والسلام فى موقعة بدر الكبرى.. أحد حراس المقام استوقفنا مصرا على أن نخلع أحذيتنا قبل الدخول حيث قد روى هذا الثرى المبارك بدماء الشهداء الأبرار.. فهي أرض كما يعتقد كل أهلها لا تأكل أجساد المدفونين تحت ترابها ، ويذكر الشيخ أحمد الدكرورى أحد أهالى البهنسا وأحد شيوخ الطريقة البيومية، أن تراب البهنسا الطاهر يشجع سكان القري المجاورة بالصعيد لدفن موتاهم فيها وهناك من يوصى بان يدفن بجوار شهداء الصحابة بالبهنسا، أيضا البلد فيها طرق صوفية عديدة منها الطريقة البيومية وهى أشهر الطرق ثم الطريقة الرفاعية والموالد وجلسات الذكر تعد شيئا معتادا فى البهنسا فهناك من يقوم بعمل جلسة ذكر فى مناسبات الأفراح والطهور والموالد والعقيقة وغيرها، ومن أهم الموالد فى القرية مولد سيدى محمد أبو العودين نسبة لصحابى جليل حارب مع الرسول فى فتح الحديبيبة ، وسمى بالعودين لأنه كان يحارب بذراعيه الإثنين، أما أشهر المقامات التى تتمتع بقدسية فى البهنسا مقام سيدى على الجمام قاضى القضاة .
إكسلونيوس تحت الأطلال!
فى قلب قرية البهنسا يوجد عمود حجرى يقف مكانه دون أن يعلم أحد من أين تبقى هذا العمود، لكن الشهواد تدلل على انه ربما يكون آخر ما تبقى من أسوار المدينة قبل دخول الفتح الإسلامى .. هذا العمود يقف شامخا متحديا كل عوامل الزمن، الأطفال الصغار يلعبون حوله، والأهالى لايعيرونه أى اهتمام لكنه شاهد على تاريخ البهنسا المنسى قبل تحولها لإمارة إسلامية..عن هذا التاريخ إلتقينا محمد كمال، مدير منطقة آثار البهنسا الذى يقول : الآثار الفرعونية بالمكان تقع على بعد 582 فداناً .. وكانت البهنسا قبل الفتح الاسلامى تسمى إكسلونيوس، ويرجع تاريخها للأسرة الفرعونية رقم 26 وكانت إحدى العواصم القديمة، وتتولى بعثة أسبانية دراسة التاريخ المصرى للقرية، علما بأن البهنسا تضم تلالا أثرية يقع أسفلها أطلال المدينة القديمة، ومن ضمن المكتشفات الحديثة المعبد البطلمى وبعض المقابر القديمة التى يرجع تاريخها للعصر المتأخر هذا ويضم المتحف الرومانى بالأسكندرية صالة كاملة تضم آثار البهنسا، وهناك برديات تضم رسائل يهوذا التى أثارت ضجة فى الكنيسة.
تحذير .. البهنسا على وشك الإنهيار!
رغم ما سبق .. مدينة البهنسا الإسلامية لم توضع على خريطة السياحة ، بل أن القباب القديمة التى تعود لعصور الإسلام الأولى مهددة بالأنهيار وقد أصابته الشقوق وعوامل الزمن .. يقول سلامة زهران فى نبرة حزن: البهنسا الإسلامية تحتاج للترميم والصيانة، فمثلا قبة الأمير زياد والتى تضم كتابات بالخط المملوكى تعود لعام 992 هجرية تعرضت للانهيار والتصدع، ثم تأتى أزمة التعديات على حرم المناطق الأثرية، فعند جدران أحد القصور التى تعود للعصر الفاطمى قام الأهالى برفع التل الأثرى باللودرات والجرارات ، وتم اتخاذ اللازم من كافة الإجراءات من قبل تفتيش آثار البهنسا ومخاطبة كل الجهات المسئولة بدون ان يحرك ذلك ساكناً ، كما التهمت التعديات حرم قبة يحيى البصرى وتم الاستيلاء على مساحة تصل إلى 800 متر مربع، وتم عمل سور بالبلوك حولها رغم أن هيئة الآثار رفضت إقامة مدرسة على هذه المساحة ، كما رفضت طلب الأهالى بإقامة مخبز بلدى ونقطة شرطة ! أيضا البعثات الأثرية توقفت عن العمل منذ عام 2009 ، والمعروف أن أجهزة الأمن اكتشفت في السنوات الماضية العديد من الدجالين والسحرة في أماكن مختلفة ببني مزار ومغاغة والبهنسا، يقومون بعمليات حفر في الجبال وأحيانا أسفل المنازل بحثا عن الكنوز الذهبية، فهناك أعتقاد غريب بين سكان هذه القري بأن " قارون " لم يكن يعيش في الفيوم كما تقول الحكايات التاريخية .. بل كان يعيش في عزبة شمس الدين القريبة جدأً من البهنسا ، وأن كل كنوزه الأسطورية مدفونة في مكان ما بالمنطقة ! .